Sunday, July 15, 2012

بداية الكون ونهايته ونظرية الإنفجار العظيم

لا أحد في هذا العالم يستطيع أن يعرف أو حتى يدّعي معرفة ما الذي كان قبل لحظة الانفجار العظيم، فهذا شيء خارج نطاق المعرفة البشرية تماما، فتلك اللحظة لحظة ما قبل الانفجار العظيم وما قبلها هي أمر مظلم تماما بالنسبة لنا، وذلك لسبب بسيط وواضح، الكون كما نعرفه الآن لم يكن موجودا طبعا بل حتى المكان والزمان لم يكن لهما أي معنى لأنهما لم يكونا قد تكونا بعد.

كل ما يمكن أن يقوله لك أي عالم هو: كان الكون كله مجتمعا في نقطة صغيرة جدا ذات كثافة عظيمة، ثم حدث شيء ما وسبب انفجار هذه النقطة، ثم... هذا كل ما يمكن لأي عالم قوله أما قبل ذلك فلا أحد يمكنه أن يخبرك، على الرغم من ظهور عدة نظريات تتحدث عن عدة أكوان بدل واحد وبالتالي يمكن نسبيا التحدث عن ماذا يحدث قبل تكون الكون، ولكن في النهاية لا يمكن معرفة ما الذي يوجد قبل لحظة تكون أول كون؟ ثم ما الذي يوجد خلف حدود المكان الذي يضم كل هذه الأكوان؟ وكذلك نفس الأسئلة تنطبق على فكرة وجود كون واحد: فما الذي كان قبله وماذا يوجد بعد حدوده؟ وهل أساس توجد حدود؟

إن الحديث في هذه النقطة من تاريخ الوجود هو ضرب الجنون فأي سؤال يمكن أن تطرحه بخصوصها لا يمكن الإجابة عليه وأي إجابة يمكن أن تضعها لأي سؤال ستولد عدة أسئلة أخرى، فالمشكلة الحقيقة تكمن في إدراكنا الغير مفهوم ذاته.
فعقولنا من ناحية تعتبر أن لكل مكان حدا ولكن في نفس الوقت تعتبر أن كل حدٍِ هناك مكان ما بعده، وكمثال فإننا نقول إن الكون له حد ولكن عندها نسأل ترى ماذا يوجد بعد ذلك الحد؟ وبالتالي لن نصل إلى نتيجة لأننا إذا تخيلنا شيئا ما خلف حدود الكون فإننا سنتساءل عن ماذا يوجد بعده وهكذا...

نفس الشيء ينطبق على بداية الكون فإن قلنا بدأ الكون بالانفجار العظيم فإننا بعد ذلك نتساءل: ترى ما كان يحدث قبل الانفجار العظيم؟ وإذا تخيلنا ما كان يحدث قبل الانفجار العظيم فإننا نتساءل مجددا: ماذا كان يحدث قبل ذلك؟ وهكذا...

بدأ الكون بانفجار كارثي ولّد المكان والزمان، وبطريقة مبهمة خلال جزء 10e35 من الثانية أصبح الكون كرة ساخنة جدا ، وتصف النظرية السائدة (الانفجار العظيم - The Big Bang) نوعا من الطاقة وحده يمكنه توسيع نسيج الفضاء، في عملية تدعى التوسع التضخمي وهو ما أدى إلى توسع هائل للكون في الظرف الوجيز جدا الذي ذكرته أعلاه، وتوقف هذا التوسع التضخمي عندما تحولت كل تلك الطاقة إلى مادة وإلى الطاقة التي نعرف.

توقف التوسع التضخمي عند جزء من مليون من الثانية، وعندها استمر الكون في التوسع بسرعة قليلة نسبيا، وخلال توسعه بدا في يصبح أقل كثافة وأقل سخونة، خلال هذه الفترة بدأت القوى الأساسية في الطبيعة تظهر: أولا الجاذبية ثم القوة العظيمة، ثم بعد ذلك ظهرت القوة الضعيفة، ثم أخيرا القوة الكهرومغناطيسية، وبعد مرور ثانية واحد من الانفجار العظيم ظهرت الجزيئات الأساسية: الكواركات، الإلكترونات، الفوتونات... وبعد ذلك انسحقت هذه الجزيئات مكونة النيوترونات والبروتونات.

بعد ذلك بثانيتين أي عند "الثانية" الثالثة بدأت البروتونات والنيوترونات في الاتحاد مع بعضها البعض مكونة نوى العناصر البسيطة: الهيدروجين، الهليوم، الليثيوم. ولكن هذا كل شيء لأنه ستلزم 300 ألف سنة (نعم سنة) لكي تعلق الإلكترونات في مدارات حول تلك النوى مكونة بذلك ذرات مستقرة.


عمر الكون الآن عشرة آلاف سنة حيث معظم طاقته عبارة عن إشعاعات مختلفة: أشعة سينية، فوق البنفسجية... وتلك الأشعة هي بقايا أصداء الانفجار العظيم، وبينما الكون يتوسع، تمتد هذه الإشعاعات وتخف حتى يومنا هذا حيث هي التي تنشئ التوهج الخفيف للموجات الراديوية التي تملأ الكون بكامله الآن.


بعد 290 ألف من ذلك أي بعد مرور 300 ألف سنة على لحظة الانفجار العظيم، أصبحت طاقة المادة وطاقة الإشعاعات متعادلة، لكن الكون مازال يتوسع والموجات الإشعاعية تتمدد وبالتالي تفقد الطاقة أكثر وأكثر، بينما المادة على عكس ذلك، وخلال ذاك الوقت، بدأت الإلكترونات في الارتباط مع نوى الهيدروجين والهليوم مكونة بذلك أولى الذرات الطبيعية.


في علم الكون الفيزيائي , نظرية الانفجار العظيم أحد النظريات المطروحة في علم الكون و التي ترى بأن الكون قد نشأ من وضعية حارة شديدة الكثافة تقريبا قبل حوالي 14 مليار سنة (حوالي 13.7 مليار سنة). نشأت نظرية الانفجار العظيم نتيجة لملاحظات هبل حول تباعد المجرات عن بعضها , مما يعني عندما يؤخذ بعين الاعتبار مع المبدأ الكوني أن الفضاء المتري يتمدد وفق نموذج "فريدمان-ليمايتري" للنسبية العامة "Friedmann-Lemaître model". هذه الملاحظات تشير إلى أن الكون بكل ما فيه من مادة و طاقة انبثق من حالة بدائية ذات كثافة و حرارة عاليتين شبيهة بالمتفردات الثقالية "gravitational singularity" التي تتنبأ بها النسبية العامة، ولهذا توصف تلك المرحلة بالحقبة المتفردة.

فإذا كان الكون يتمدد فما من شك أن حجمه في الماضي كان أصغر من حجمه اليوم، وأن حجمه في المستقبل سيكون أكبر منهما. وإذا تمكنا من حساب سرعة التمدد يمكننا التنبؤ بالزمن الذي احتاجه الكون حتى وصل إلى الحجم الراهن، وبالتالي يمكننا تقدير عمر الكون وهو 14 مليار سنة تقريباً. تتحدث نظرية الانفجار العظيم عن نشوء و أصل الكون إضافة لتركيب المادة الأولى "primordial matter" من خلال عملية الاصطناع النووي "nucleosynthesis" كما تتنبأ بها نظرية "ألفر-بيث-غامو" "Alpher-Bethe-Gamow".

رسم توضيحي لحياة الكون منذ لحظة الانفجار العظيم إلى الآن (اضغط على الصورة لتراها بحجم كبير)



قد تكون بداية التأكيد العملي لنظرية الانفجار العظيم قد بدأت مع رصد الفلكي الأمريكي هابل للمجرات و محاولة تعيين بعد هذه المجرات عن الأرض مستخدما مفهوم لمعان النجوم الذي يتعلق بسطوع النجوم و بعدها عنا .

أمر آخر يمكن تحديده بالنسبة للنجوم هو طيف الضوء الصادر عن النجم عن طريق موشور , فكل جسم غير شفاف عند تسخينه يصدر ضوءا مميزا يتعلق طيفه فقط بدرجة حرارة هذا الجسم . إضافة لذلك نلاحظ أن بعض الألوان الخاصة قد تختفي من نجم لآخر حسب العناصر المكونة لهذا النجم . عند دراسة الأطياف الضوئية للنجوم الموجودة في مجرة درب التبانة , كان هناك فقدانا للألوان المتوقعة في الطيف بما يتوافق مع التركيب المادي لمجرة درب التبانة , لكن هذه ظهرت منزاحة نحو الطرف الأحمر من الطيف.


ينطبق نفس هذا المبدأ على الأمواج الضوئية فإذا كان المنبع الضوئي يبتعد عنا فهذا يعني أن توترات الأمواج المستقبلة ستكون أقل فأقل أي منزاحة نحو الأحمر أما إذا كان المنبع يقترب فستكون الأمواج الضوئية المستقبلة منزاحة نحو الأزرق(البنفسجي).


التصور البدائي كان يعتقد أن المجرات تتحرك عشوائيا و بالتالي كان التوقع أن عدد الانزياحات نحو الأحمر سيساوي الانزياحات نحو الأزرق و سيكون المحصلة معدومة (لا انزياح) لكن رصد هابل بجدولة أبعاد المجرات و رصد طيوفها مثبتا أن جميع المجرات تسجل انزياحا نحو الأحمر أي أن جميع المجرات تبتعد عنا , أكثر من ذلك أن مقدار الانزياح نحو الأحمر (الذي يعبر هنا عن سرعة المنبع الضوئي أي المجرة) لا يختلف عشوائيا بين المجرات بل يتناسب طردا مع بعد المجرة عن الأرض , أي أن سرعة ابتعاد المجرة عن الأرض تتناسب مع بعدها عن الأرض .العالم ليس ساكنا إذا إنه يتوسع... كانت مفاجأة أذهلت العديد من العلماء.

النهاية:
هناك ثلاث طرق محتملة لنهاية الكون، وعندما أقول الكون فلست أقصد نهاية الأرض أو نظامنا الشمسي بل الكون بأسره.
المصير الأول: إذا استمر الكون في التوسع للأبد فإنه سيأتي يوم سيبرد فيه الكون حتى يدخل في ما يعرف بالتجمد الأعظم وسيصير عبارة عن نجوم ميتة خابية وثقوب سوداء
المصير الثانية: إذا توقف الكون عن التوسع وعاد ليجتمع على نفسه، فإنه سيتمر في ذلك حتى ينسح كل ما في الكون من نجوم ومجرات على بعضها البعض لينتهي كل شيء في ثقب أسود هائل.
المصير الثالثة: هي أن الكون سيخفف من توسع تدرجيا حتى يتوازن الكون في النهاية، ولكن على كل حال هذا سيكون لوقت معين فحسب لأنه في النهاية سيأخذ هذا الطريق الكون إلى مصير نهائي مثل الطريقة الأولى، حيث يدخل في التجمد الأعظم.
إن مصير الكون معتمد بالأساس على معركة بين قوى الدفع التوسعية وقوى الجذب الداخلية، ولهذا فإن العلماء يحاولون حساب مقدار هاتين القوتين، لكن ذلك صعب للغاية ما لم يكن أقرب إلى المستحيل، وطبعا مازال البحث جاريا دون نتيجة حتى الآن. على أي حال في حالتنا الآنية ليس علينا القلق حقا بمصير الكون المظلم حتى الآن، وذلك لأنه بعد حوالي أربعة مليارات سنة ستتوسع الشمس وتبتلع الأرض وكل الكواكب الصخرية وفي نفس الوقت ستبدأ جارتنا مجرة المرأة المتسلسلة بالانسحاق مع مجرتنا، وخلال ذلك الوقت ستكون الأرض قد زالت من الوجود.

No comments:

Post a Comment